فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (16)}
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن أنس رضي الله عنه في قوله: {من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها} قال: نزلت في اليهود والنصارى.
وأخرج ابن جرير ابن أبي حاتم عن عبد الله بن معبد رضي الله عنه قال: قام رجل إلى علي رضي الله عنه فقال: أخبرنا عن هذه الآية: {من كان يريد الحياة الدنيا} إلى قوله: {وباطل ما كانوا يعملون} قال: ويحك...! ذاك من كان يريد الدنيا لا يريد الآخرة.
وأخرج النحاس في ناسخه عن ابن عباس رضي الله عنهما: {من كان يريد الحياة الدنيا} أي ثوابها: {وزينتها} مالها: {نوف إليهم} نوفر لهم ثواب أعمالهم بالصحة والسرور في الأهل والمال والولد: {وهم فيها لا يبخسون} لا ينقضون ثم نسخها: {من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء} [الإِسراء: 18] الآية.
وأخرج أبو الشيخ عن السدي رضي الله عنه. مثله.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في الآية قال: من عمل صالحًا التماس الدنيا صومًا أو صلاة أو تهجدًا بالليل لا يعمله إلا لالتماس الدنيا، يقول الله: أو فيه الذي التمس في الدنيا من المثابة وحبط عمله الذي كان يعمل، وهو في الآخرة من الخاسرين.
وأخرج ابن أبي شيبة وهناد وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله: {من كان يريد الحياة الدنيا} قال: هو الرجل يعمل العمل للدنيا لا يريد به الله.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك رضي الله عنه في الآية قال: نزلت في أهل الشرك.
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في الآية قال: هم أهل الرياء.
وأخرج الترمذي وحسنه وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في شعب الإِيمان عن أبي هريرة رضي الله عنه: «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أول من يدعى يوم القيامة رجل جمع القرآن يقول الله تعالى له: ألم أعلمك ما أنزلت على رسولي؟ فيقول: بلى يا رب. فيقول: فماذا عملت فيما علمتك؟ فيقول: يا رب كنت أقوم به الليل والنهار. فيقول الله له: كذبت. وتقول الملائكة: كذبت، بل أردت أن يقال فلان قارئ فقد قيل، اذهب فليس لك اليوم عندنا شيء، ثم يدعى صاحب المال فيقول الله: عبدي ألم أنعم عليك، ألم أوسع عليك، فيقول: بلى يا رب. فيقول: فماذا عملت فيما آتيتك؟ فيقول: يا رب كنت أصل الأرحام، وأتصدق وأفعل. فيقول الله له: كذبت، بل أردت أن يقال فلان جواد فقد قيل ذلك، اذهب فليس لك اليوم عندنا شيء. ويدعى المقتول فيقول الله له: عبدي فيم قتلت؟ فيقول: يا رب فيك وفي سبيلك. فيقول الله له: كذبت وتقول الملائكة: كذبت، بل أردت أن يقال فلان جريء فقد قيل ذلك، اذهب فليس لك اليوم عندنا شيء. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أولئك الثلاثة شر خلق الله يسعر بهم النار يوم القيامة. فحدث معاوية بهذا إلى قوله: {وباطل ما كانوا يعملون}».
وأخرج البيهقي في الشعب عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا كان يوم القيامة صارت أمتي ثلاثة فرق. فرقة يعبدون الله خالصًا: وفرقة يعبدون الله رياء، وفرقة يعبدون الله يصيبون به دنيا، فيقول للذي كان يعبد الله للدنيا: بعزتي وجلالي ما أردت بعبادتي؟ فيقول: الدنيا. فيقول: لا جرم لا ينفعك ما جمعت ولا ترجع إليه انطلقوا به إلى النار، ويقول للذي يعبد الله رياء: بعزتي وجلالي ما أردت بعبادتي؟ قال: الرياء. فيقول: إنما كانت عبادتك التي كنت ترائي بها لا يصعد إليّ منها شيء ولا ينفعك اليوم، انطلقوا به إلى النار، ويقول للذي يعبد الله خالصًا: بعزتي وجلالي ما أردت بعبادتي؟ فيقول: بعزتك وجلالك لأنت أعلم به مني كنت أعبدك لوجهك ولدارك. قال: صدق عبدي انطلقوا به إلى الجنة».
وأخرج البيهقي في الشعب عن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يؤتى يوم القيامة بناس بين الناس إلى الجنة، حتى إذا دنوا منها استنشقوا رائحتها ونظروا إلى قصورها وإلى ما أعد الله لأهلها فيها فيقولون: يا ربنا لو أدخلتنا النار قبل أن ترينا ما أريتنا من الثواب وما أعددت فيها لأوليائك كان أهون. قال: ذاك أردت بكم كنتم إذا خلوتم بارزتموني بالعظيم، وإذا لقيتم الناس لقيتموهم مخبتين ولم تجلوني، وتركتم للناس ولم تتركوا إلي، فاليوم أذيقكم العذاب الأليم مع ما حرمتم من الثواب».
وأخرج أبو الشيخ عن سعيد بن جبير رضي الله عنه: {من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون} قال: يؤتون ثواب ما عملوا في الدنيا وليس لهم في الآخرة من شيء وقال: هي مثل الآية التي في الروم: {وما آتيتم من ربًا ليربوا في أموال الناس فلا يربوا عند الله} [الروم: 39].
وأخرج أبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه: {من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها...} الآية. يقول: من كانت الدنيا همه وسدمه وطلبته ونيته وحاجته جازاه الله بحسناته في الدنيا ثم يفضي إلى الآخرة ليس له فيها حسنة، وأما المؤمن فيجازى بحسناته في الدنيا ويثاب عليها في الآخرة: {وهم فيها لا يبخسون} أي لا يظلمون.
وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه: {من كان يريد الحياة الدنيا} قال: من عمل للدنيا لا يريد به الله وفاه الله ذلك العمل في الدنيا أجر ما عمل، فذلك قوله: {نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون} أي لا ينقصون، أي يعطوا منها أجر ما عملوا.
وأخرج أبو الشيخ عن ميمون بن مهران رضي الله عنه قال: من كان يريد أن يعلم ما منزلته عند الله فلينظر في عمله فإنه قادم على عمله كائنًا ما كان، ولا عمل مؤمن ولا كافر من عمل صالح إلا جاء الله به، فأما المؤمن فيجزيه به في الدنيا والآخرة بما شاء، وأما الكافر فيجزيه في الدنيا ثم تلا هذه الآية: {من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها}.
وأخرج أبو الشيخ عن الحسن في قوله: {نوف إليهم أعمالهم} قال: طيباتهم.
وأخرج أبو الشيخ عن ابن جريج: {نوف إليهم أعمالهم فيها} قال: نعجل لهم فيها كل طيبة لهم فيها وهم لا يظلمون بما لم يعجلوا من طيباتهم، لم يظلمهم لأنهم لم يعملوا إلا للدنيا.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {نوف إليهم أعمالهم فيها} قال: تعجل لمن لا يقبل منه.
وأخرج أبو الشيخ عن السدي رضي الله عنه في قوله: {وحبط ما صنعوا فيها} قال: حبط ما عملوا من خير: {وباطل} في الآخرة ليس لهم فيها جزاء.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك في قوله: {وحبط} يعني بطل.
وأخرج أبو عبيد وابن المنذر عن أبي بن كعب أنه قرأ: {وباطلًا ما كانوا يعملون}. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
{أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (16)} قوله تعالى: {وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا}: يجوز أن يتعلَّقَ {فيها} ب {حَبِط}، والضميرُ على هذا يعود على الآخرة، أي: وظهر حبوطُ ما صنعوا في الآخرة. ويجوز أن يتعلَّقَ ب {صنعوا} فالضمير على هذا يعود على الحياة الدنيا كما عاد عليها في قوله: {نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا}. و«ما» في {ما صنعوا} يجوز أن تكون بمعنى الذي فالعائدُ محذوفٌ، أي: الذي صنعوه، وأن تكونَ مصدريةً، وحَبِط صُنْعُهم.
قوله: {وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ} الجمهورُ قرؤوا برفع الباطل، وفيه ثلاثة أوجه، أحدها: أن يكونَ {باطل} خبرًا مقدمًا، و: {مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} مبتدأٌ مؤخرٌ. و«ما» تحتمل أن تكن مصدريةً، أي: وباطلٌ كونُهم عاملين، وأن تكونَ بمعنى الذي والعائد محذوف، أي: يعملونه، وهذا على أنَّ الكلامَ من عطفَ الجمل، عَطَفَ هذه الجملةَ على ما قبلها. الثاني: أن يكونَ {باطل} مبتدأً و: {مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} خبرُه، هكذا قال مكي بن أبي طالب وهو لا يَبْعُدُ على الغلط، والعجبُ أنه لم يّذْكر غيره. الثالث: أن يكونَ {باطل} عطفًا على الأخبارِ قبله، أي: أولئك باطلٌ ما كانوا يعملون، و: {مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} فاعلٌ ب {باطل}، ويرجح هذا ما قرأ به زيد بن علي: {وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} جعله فعلًا ماضيًا معطوفًا على {حَبِط}.
وقرأ أُبَيّ وابن مسعود قال مكي: وهي في مصحفهما كذلك ونقلها الزمخشري عن عاصم: {وباطلًا} نصبا وفيها ثلاثةُ أوجهٍ، أحدُها: أنه منصوبٌ ب {يعملون} وما مزيدة، وإلى هذا ذهب مكي وأبو البقاء وصاحب اللوامح، وفيه تقديمُ معمولِ خبرِ {كان} على {كان} وهي مسألة خلاف، والصحيحُ جوازُها كقوله تعالى: {أهؤلاء إِيَّاكُمْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ} [سبأ: 40] فالظاهرُ أن {إياكم} منصوب ب {يعبدون}. والثاني: أن تكونَ {ما} إبهاميةً، وتنتصب ب {يعملون} ومعناه: باطلًا أيَّ باطلٍ كانوا يعملون، والثالث: أن يكون {باطلًا} بمعنى المصدر على بَطَلَ بُطْلانًا ما كانوا يعملون، ذكر هذين الوجهين الزمخشري، ومعنى قوله: {ما} إبهامية أنها هنا صفةٌ للنكرة قبلها، ولذلك قَدَّرها ب باطلًا أيَّ باطل فهو كقوله:
..................... ** وحديثٌ ما على قِصَرِهْ

ولأمرٍ ما جَدَعَ قصيرٌ أَنْفَه، وقد قدَّم هو ذلك في قوله تعالى: {مَثَلًا مَّا بَعُوضَةً} [الزمر: 9]. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.قال في ملاك التأويل:

قوله تعالى: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنْ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ} (هود: 17)، وفي آخر السورة إثر قوله: {عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} (هود: 108)، {فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلاءِ مَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ} (هود: 109)، وفي سورة السجدة: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ} (السجدة: 23) بثبات نون تكن، وحذفها في آيتي سورة هود فللسائل أن يسأل عن ذلك؟
والجواب عنه، والله أعلم: أن العرب تصرفت في يكون عند دخول الجازم تصرفًا لم تفعله في نظائرها وما يشبهها، وبسط هذا في مظانه، فيكون الوجه في يكون عند دخول الجازم تسكين النون، فتحذف الواو عند التقاء الساكنين كما ورد في سورة السجدة، إلا أن حذف النون في يكون من فصيح كلامهم ما لم تكن متحركة، فإن كانت متححركة لم تحذف لقوتها بالحركة وإن كانت عارضة كقوله تعالى: {لَمْ يَكُنْ الَّذِينَ كَفَرُوا...} (البينة: 1)، ولا تحذف هذه إلا في الشعر نحو قوله:
لم يك الحق سوى أن هاجه ** رسم دار قد تعفَّى بالسررْ

فورد في سورة هود على ما اعتمدوه من تخفيف هذا اللفظ ليناسب بذلك إيجاز الكلام المتعلق بقوله: {فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ} (هود: 17)، والمتصل به تمامه تمام معنى المقصود وذلك قوله: {إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ} (هود: 17)، وكذلك قوله في آخر السورة: {فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلاءِ} (هود: 109) إلى قوله: {غَيْرَ مَنقُوصٍ} (هود: 109).
وورد في سورة السجدة على أصل الكلمة قبل حذفها فقيل: {فَلا تَكُنْ}، ليجريذلك مع ما ورد في هذه السورة من طول الكلام المتعلق بقوله: {فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ} (السجدة: 23)، ألا ترى أن الكلام واحد إلى قوله: {فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} (السجدة: 25)، فنوسب الإيجاز بالإيجاز والطول بالطول والله أعلم. اهـ.

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (15)}
مَنْ قَنَع منهم بدنيا الدناءةُ صِفَتُها وَسَّعْنَا عليه في الاستمتاع بأيام فيها، ولكن عَقِبَ اكتمالِها سيرى زوالَها، ويذوق بعد عسلِها حَنْظَلَها.
{أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (16)}
أولئك الذين خَابَتْ آمالُهُم، وظهرت لهم- بخلاف ما احتسبوا- ألامُهم، حَبِطَتْ أعمالُهم- وحاق بهم سوء حالهم. اهـ.

.قال التستري:

قوله: {مَن كَانَ يُرِيدُ الحياة الدنيا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ} [15] قال: يعني من أراد بعلمه غير الله آتاه الله أجر عمله في الدنيا، فلا يبقى له في الآخرة شيء، لأنه لم يخلص بعمله لله لما أحب له من المنزلة في الدنيا، ولو علم أن الله سخر الدنيا وأهلها لطلاب الآخرة لم يراء بعلمه.
وقد قيل لسهل: أي شيء أشد على النفس؟ فقال: الإخلاص.
قيل: ولِمَ ذلك؟ فقال: لأنه ليس للنفس فيه نصيب.
وسئل: هل يدخل الفرائض رياء؟ فقال: نعم، قد دخل الإيمان الذي هو أصل الفرائض حتى أبطله وصار نفاقًا، فكيف العمل، فكل من لم يعب أحد عليه في ظاهره، ويعلم الله خلافه من سره في أي حال كان، فهو المرائي الذي لا شك فيه. اهـ.

.تفسير الآية رقم (17):

قوله تعالى: {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ (17)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما اتضحت الحجج وانتهضت الدلائل فأغرقتهم عوالي اللجج، كان ذلك موضع الإنكار على من يسوي بين المهتدي والمعتدي، فكيف يفضل إما باعتبار النظر إلى الرئاسة الدنيوية غفلة من حقائق الأمور أو عنادًا كمن قال من اليهود للمشركين: أنتم أهدى منهم، فقال: {أفمن كان على بينة} أي برهان وحجة: {من ربه} بما آتاه من نور البصيرة وصفاء العقل فهو يريد الآخرة ويبني أفعاله على أساس ثابت: {ويتلوه} أي ويتبع هذه البينة: {شاهد} هو القرآن: {منه} أي من ربه، أو تأيد ذلك البرهان برسالة رسول عربي بكلام معجز وكان: {من قبله} أي هذا الشاهد مؤيدًا له: {كتاب موسى} أي شاهد أيضًا وهو التوارة حال كونه: {إمامًا} يحق الاقتداء به: {ورحمة} أي لكل من اتبعه.
ولما كان الجواب ظاهرًا حذفه، وتقديره- والله أعلم: كمن هو على الضلالة فهو يريد الدنيا فهو يفعل من المكارم ما ليس مبنيًا على أساس صحيح، فيكون في دار البقاء والسعادة هباء منثورًا؛ ولما كان هذا الذي على البينة عظيمًا، ولم يكن يراد به واحدًا بعينه، استأنف البيان لعلو مقامه بأداة الجمع بشارة لهذا النبي الكريم بكثرة أمته فقال: {أولئك} أي العالو الرتبة بكونهم على هدى من ربهم وتأيد هداهم بشاهد من قبله وشاهد من بعده مصدق له: {يؤمنون به} أي بهذا القرآن الذي هو الشاهد ولا ينسبون الآتي به إلى أنه افتراه: {ومن يكفر به} أي بهذا الشاهد: {من الأحزاب} من جميع الفرق وأهل الملل سواء، سوى بين الفريقين جهلًا أو عنادًا: {فالنار موعده} أي وعيده وموضع وعيده يصلى سعيرها ويقاسي زمهريرها.
ولما عم بوعيد النار، اشتد تشوف النفس لما سبب عنه فقرب إزالة ما حملت من ذلك بالإيجاز، فاقتضى الأمر حذف نون تَكن فقيل: {فلا تكُ} أي أيها المخاطب الأعظم: {في مرية} أي شك عظيم ووهم: {منه} أي من القرآن ولا يضيق صدرك عن إبلاغه، أو من الوعد الذي هو النار والخيبة وإن أنعمنا على المتوعد بذلك ونعمناه في الدنيا؛ ثم علل النهي بقوله: {إنه} القرآن أو الموعد: {الحق} أي الكامل، وزاد في الترغيب فيه بقوله: {من ربك} أي المحسن إليك بانزاله عليك.
ولما كان كونه حقًا سببًا يعلق الأمل بإيمان كل من سمعه، قال: {ولكن أكثر الناس} أي الذين هم في حيز الاضطراب: {لا يؤمنون} بأنه حق لا لكون الريب يتطرق إليه بل لما على قلوبهم من الرين ويؤولون إليه من العذاب المعد لهم ممن لا يبدل القول لديه ولا ينسب الظلم إليه، والقصد بهذا الاستفهام الحث على ما حث عليه الاستفهام في قوله: {فهل أنتم مسلمون} من الإقبال على الدين الحق على وجه مبين لسخافة عقول الممترين وركاكة آرائهم. اهـ.